فصل: ومن باب تخفيف القعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب الاختصار في الصلاة:

قال أبو داود: حدثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي حدثنا محمد بن سلمة عن هشام عن محمد، عَن أبي هريرة قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاختصار في الصلاة».
قال أبو داود هو أن يضع يده على خاصرته في الصلاة ويقال إن ذلك من فعل اليهود وقد روي في بعض الأخبار أن إبليس أهبط إلى الأرض كذلك. وهو شكل من أشكال أهل المصائب يضعون أيديهم على الخواصر إذا قاموا في المآتم وقيل هو أن يمسك بيده مخصرة أي عصا يتوكأ عليها.

.ومن باب مسح الحصا:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري، عَن أبي الأحوص شيخ من أهل المدينة أنه سمع أبا ذر يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصا».
قلت: يريد بمسح الحصا تسويته حتى يسجد عليه وكان كثير من العلماء يكرهون ذلك. وكان مالك بن أنس لا يرى به بأسا ويسوي الحصا في صلته غير مرة.

.ومن باب تخفيف القعود:

قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم، عَن أبي عبيدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «كان في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف قال قلنا حتى يقوم قال حتى يقوم».
الرضف الحجارة المحماة واحدتها رضفة، ومنه المثل خذ من الرضفة ما عليها.

.ومن باب السهو:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد عن أيوب عن محمد، عَن أبي هريرة قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر قال فصلى بنا ركعتين ثم سلم ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد ووضع يده عليها يعرف في وجهه الغضب ثم خرج سرعان الناس وهم يقولون قصرت الصلاة وفي الناس أبو بكر وعمر فهاباه أن يكلماه فقام رجل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه ذا اليدين فقال يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة قال لم أنس ولم تقصر الصلاة قال بلى نسيت يا رسول الله فأقبل رسول الله على القوم فقال أصدق ذو اليدين فأومئوا أي نعم فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مقامه فصلى الركعتين الباقيتين ثم سلم ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع وكبر، قال فقيل لمحمد سلم في السهو؛ قال لم أحفظ من أبي هريرة ولكن نبئت أن عمران بن حصين قال ثم سلم».
قلت: سرعان الناس مفتوحة السين والراء وهم الذين ينفتلون بسرعة ويقال لهم أيضًا سرعان بكسر السين وسكون الراء وهو جمع سريع كقوله رعيل ورعلان وأما قولهم سرعان ما فعلت فالراء منه ساكنة.
وفي الحديث دليل على أن من قال لم أفعل كذا وكان قد فعله ناسيًا أنه غير كاذب.
وفيه من الفقه أن من تكلم ناسيا في صلاته لم تفسد صلاته، وكذلك من تكلم غير عالم بأنه في الصلاة وذلك أن رسول الله كان عنده أنه قد أكمل صلاته فتكلم على أنه خارج من الصلاة.
وأما ذو اليدين ومراجعته النبي صلى الله عليه وسلم فأمره متأول على هذا المعنى أيضًا لأن الزمان كان زمان نسخ وتبديل وزيادة في الصلاة ونقصان فجرى منه الكلام في حال قد يتوهم فيها أنه خارج عن الصلاة لا مكان وقوع النسخ ومجيء القصر بعد الإتمام، وقد دفع قوم هذا الحديث وزعموا أنه منسوخ وأنه إنما كان هذا قبل تحريم الكلام في الصلاة ولولا ذلك لم يكن أبو بكر وعمر وسائر الصحابة وقد علموا أن الصلاة لم تقصر ليتكلموا وقد بقي عليهم من الصلاة شيء.
قال الشيخ أما النسخ فلا موضع له هاهنا لأن نسخ الكلام كان بمكة وحدوث هذا الأمر إنما كان بالمدينة لأن روية أبو هريرة وهو متأخر الإسلام. وقد رواه عمران بن حصين وهجرته متأخرة.
فأما كلام أبي بكر وعمر ومن معهما، ففي رواية حماد عن زيد عن أيوب وهو الذي رواه أبو داود أنهم أومئوا أي نعم فدل ذلك على أن رواية من روى أنهم قالوا نعم إنما هو على المجاز والتوسع في الكلام كما يقول الرجل، قلت بيدي وقلت برأسي وكقول الشاعر:
قالت له العينان سمعًا وطاعة

ولو صح أنهم قالوه بألسنتهم لم يكن ذلك جائزا لأنه لم ينسخ من الكلام ما كان جوابا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} [الأنفال: 24] وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب وهو يصلي فدعاه فلم يجبه ثم اعتذر إليه وقال له كنت في الصلاة فقال ألم تسمع الله تعالى يقول: {استجيبوا لله وللرسول} فدل على أن الكلام في الصلاة إذا كان استجابة لرسول الله غير منسوخ.
وممن قال إن الكلام ناسيا في الصلاة لا يقطع الصلاة مالك والأوزاعي والشافعي. وقد روي ذلك عن ابن عباس وابن الزبير، وكذلك قال عطاء، وقال النخعي وحماد وأصحاب الرأي الكلام في الصلاة ناسيا يقطع الصلاة كالعمل سواء.
وفي الحديث دليل على أنه إذا سها في صلاة واحدة مرات أجزأه لجميعها سجدتان وذلك أنه صلى الله عليه وسلم سها فلم يصل ركعتين وتكلم ناسيا ثم اقتصر على سجدتين وهو قول عامة الفقهاء.
وحكي عن الأوزاعي والماجشون صاحب مالك أنهما قالا: يلزمه لكل سهو سجدتان.

.ومن باب إذا صلى خمسا:

قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم المعنى قالا نا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: «صلى رسول الله الظهر خمسا فقيل له أزيد في الصلاة فقال وما ذاك قال صليت خمسا فسجد سجدتين بعدما سلم».
قلت: اختلف أهل العلم في هذا الباب فقال بظاهر هذا الحديث جماعة منهم علقمة والحسن وعطاء والنخعي والزهري ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه. وقال سفيان الثوري إن كان لم يجلس في الرابعة أحب إلي أن يعيد.
وقال أبو حنيفة إن كان لم يقعد في الرابعة قدر التشهد وسجد في الخامسة فصلاته فاسدة وعليه أن يستقبل الصلاة. وإن كان قد قعد في الرابعة قدر التشهد فقد تمت له الظهر والخامسة تطوع وعليه أن يضيف إليها ركعة ثم يتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهو وتمت صلاته.
قلت: متابعة السنة أولى وإسناد هذا الحديث إسناد لا مزيد عليه في الجودة من إسناد أهل الكوفة. وقال بعض من صار إلى ظاهر الحديث لا يخلو من أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قعد في الرابعة أو لو يكن قعد، فإن كان قعد فيها فإنه لم يضف إليها السادسة وإن كان لم يقعد في الرابعة فإنه لم يستأنف الصلاة ولكن احتسب بها وسجد سجدتين للسهو فعلى الوجهين جميعا يدخل الفساد على أهل الكوفة فيما قالوه والله أعلم.

.ومن أبواب السهو:

قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة نا جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب وليتم عليه ثم يسلم ويسجد سجدتين».
قال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء نا أبو خالد عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عَن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شك أحدكم في صلاته فليلق الشك وليبن على اليقين فإذا استيقن التمام سجد سجدتين فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة وإن كانت ناقصة كانت الركعة تماما لصلاته وكانت السجدتان مرغمتي الشيطان».
قال أبو داود: وحدثنا القعنبي عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر صلى ثلاثا أو أربعا فليصل ركعة ويسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم فإن كانت الركعة التي صلاها خامسة شفعها بها وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم الشيطان».
قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب، عَن أبي سلمة، عَن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى فإذا وجد أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس».
قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الرحمن الأعرج عن عبد الله بن بحينة أنه قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم قام فلم يجلس فقام الناس معه فلما قضى صلاته وانتظرنا تسليمه كبر فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم ثم سلم».
قلت: روى أبو داود في أبواب السهو عدة أحاديث في أكثر أسانيدها مقال والصحيح منها والمعتمد عند أهل العلم هذه الأحاديث الخمسة التي ذكرناها.
فأما حديث أبي هريرة فهو حديث مجمل ليس فيه أكثر من أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بسجدتين عند الشك في الصلاة وليس فيه بيان ما يصنعه من شيء سوى ذلك ولا فيه بيان موضع السجدتين من الصلاة وحصل الأمر على حديث ابن مسعود وأبي سعيد الخدري، وحديث ذي اليدين وابن بحينة وعنها تشعبت مذاهب الفقهاء وعليها بنيت.
فأما حديث ابن مسعود وهو أنه يتحرى في صلاته ويسجد سجدتين بعد السلام فهو مذهب أصحاب الرأي. ومعنى التحري عندهم غالب الظن وأكبر الرأي كأنه شك في الرابعة من الظهر هل صلاها أم لا فإن كان أكبر رأيه أنه لم يصلها أضاف إليها أخرى ويسجد سجدتين بعد السلام وإن كان أكبر رأيه أنه في الرابعة أتمها ولم يضف إليها ركعة وسجد سجدتي السهو بعد السلام وهذا إذا كان يعتريه الشك في الصلاة مرة بعد أخرى فإن كان ذلك أول ما سها فإن عليه أن يستأنف الصلاة عندهم.
وأما حديث ابن بحينة وذي اليدين فإن مالكا اعتبرهما جميعًا وبنى مذهبه عليهما في الوهم إذا وقع في الصلاة فإن كان من زيادة زادها في صلب الصلاة سجد السجدتين بعد السلام لأن في خبر ذي اليدين أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم عن ثنتين وهو زيادة في الصلاة وإن كان من نقصان سجدهما قبل السلام لأن في حديث ابن بحينة أن النبي صلى الله عليه وسلم قام عن ثنتين ولم يتشهد وهذا نقصان في الصلاة. وذهب أحمد بن حنبل إلى أن كل حديث منها يتأمل صفته ويستعمل في موضعه ولا يحمل على الخلاف فكان يقول ترك الشك على وجهين أحدهما إلى اليقين والآخر إلى التحري. فمن رجع إلى اليقين فهو أن يلقى الشك ويسجد سجدتي السهو قبل السلام على حديث أبي سعيد الخدري. وإذا رجح إلى التحري وهو أكبر الوهم سجد سجدتي السهو بعد التسليم على حديث ابن مسعود.
فأما مذهب الشافعي فعلى الجمع بين الأخبار ورد المجمل منها إلى المفسر والتفسير إنما جاء في حديث أبي سعيد الخدري وهو قوله: «فليلق وليبن على اليقين» وقوله: «إذا لم يدر أثلاثا صلى أو أربعا فليصل ركعة ويسجد سجدتين وهو جالس قبل السلام». وقوله: «فإن كانت الركعة التي صلاها خامسة شفعها بهاتين، وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان».
وهذه فصول في الزيادات حفظها أبو سعيد الخدري دون غيره من الصحابة، وقبول الزيادات واجب فكان المصير إلى حديثه أولى.
ومعنى التحري المذكور في حديث ابن مسعود عند أصحاب الشافعي هو البناء على اليقين على ما جاء تفسيره في حديث أبي سعيد الخدري.
وحقيقة التحري هو طلب أحرى الأمرين وأولاهما بالصواب وأحراهما ما جاء في حديث الخدري من البناء على اليقين لما كان فيه من كمال الصلاة والاحتياط لها، ومما يدل على أن التحري قد يكون بمعنى اليقين قوله تعالى: {فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا} [الجن: 14].
وأما حديث ذي اليدين وسجوده فيها بعد السلام فإن ذلك محمول في مذهبهم على السهو لأن تلك الصلاة قد نسبت إلى السهو فجرى حكم آخرها على مشاكلة حكم ما قد تقدم منها. وقد زعم بعضهم أنه منسوخ بخبر أبي سعيد.
وقد روي عن الزهري أنه قال كلٌ فعلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ أن تقديم السجود قبل السلام آخر الأمرين، وقد ضعف حديث أبي سعيت الخدري قوم زعموا أن مالكا أرسله عن عطاء بن يسار ولم يذكر فيه أبا سعيد الخدري، وهذا مما لا يقدح في صحته، ومعلوم عن مالك أنه يرسل الأحاديث وهي عنده مسنده وذلك معروف من عادته وقد رواه أبو داود من طريق ابن عجلان عن زيد بن أسلم وذكر أن هشام بن سعد أسنده فبلغ به أبا سعيد. وقد أسنده أيضًا سليمان بن بلال ثناه حمزة بن الحارث ومحمد بن أحمد بن زيرك قالا: حَدَّثنا عباس الدوري، قال: حَدَّثنا موسى بن داود حدثنا سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عَن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم ليسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يسلم فإن كان صلى خمسا كان شفعا وإن كان صلى تمام الأربع كانت ترغيما للشيطان».
قال الشيخ ورواه ابن عباس أيضًا حدثونا به عن محمد بن إسماعيل الصايغ، قال: حَدَّثنا ابن قعنب حدثنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر ثلاثا صلى أم أربعا فليقم فليصل ركعة ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل السلام فإن كانت الركعة التي صلاها خامسة شفعها بهاتين وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان».
قلت: وفي هذا الحديث بيان فساد قول من ذهب فيمن صلى خمسا إلي لأنه يضيف إليها سادسة إن كان قد قعد في الرابعة. واعتلوا بأن النافلة لا تكون ركعة، وقد نص فيه من طريق ابن عجلان على أن تلك الركعة تكون نافلة ثم لم يأمره بإضافة أخرى إليها.